حتى لا ننشغل أو نشتغل بمتابعة سقطات وهفوات الآخرين، وصعودهم..!! ونراقب تحركاتهم عن قرب، وعن بعد.
ونحاسب فلاناً.. ونجلد فلانة بسياط الظنون والشكوك.
حتى لا يكون شغلنا الشاغل من أتى ومن راح، من أكل ومن شرب، ما أكل وما شرب؟ أين نام؟ ومتى نام؟ ومع من نام؟ ولماذا قال ذلك.
حتى لا نكون كذلك فينشغل الناس بسقطاتنا وهفواتنا وصعودنا.. علينا أن نتمثل ما رواه ابن جرير في تفسيره عن قتادة في قوله تعالى: {بَلِ الإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ}قال: إذا شئت والله رأيته بصيراً بعيوب الناس وذنوبهم، غافلاً عن ذنوبه.
ومن هذا شأنه انشغل بالناس عن نفسه فهيأ الناس لتصيد عيوبه ومساوئه من حيث لا يدري، ولم يتوقع.
فقد قال ابن عمر رضي الله عنهما: كان بالمدينة أقوام لهم عيوب، فسكتوا عن عيوب الناس، فأسكت الله الناس عن عيوبهم، فماتوا ولا عيوب لهم. وكان بالمدينة أقوام لا عيوب لهم فتكلموا عن عيوب الناس، فأظهر الله عيوباً لهم، فلم يزالوا يعرفون بها حتى ماتوا. ولأننا نتصيد عيوب الآخرين لنشرها على حبل غسيل بال نشروا غسيلنا على الحبل ذاته.
لسنا منزهين من العيوب.. ولكنا عمينا بعيوب الناس عنها فاتسعت أعينهم لمراقبتنا وتصيد عيوبنا.
أرى كل إنسان يرى عيب غيره
ويعمى عن العيب الذي هو فيه
وما خير من تخفى عليه عيوبه
ويبدو له العيب الذي لأخيه
فمن سعادة المرء أن يشتغل بعيوب نفسه عن عيب غيره فلا تتضخم جمجمته ويختلط دماغه فيعتريه السهاد.. وبدل أن يتخذ له مرتبة وثيرة في صالة جلوسه للراحة يتخذها على ناصية الطريق يراقب الذاهب والقادم.. يترقب اتضاح مساوئهم ليظهرها للناس.
لا تكشفن مساوي الناس ما ستروا
فيهتك الله ستراً عن مساويكا
اذكر محاسن ما فيهم إذا ذكروا
ولا تعب أحداً منهم بما فيكا
لذا أستغرب على البعض كتم محاسن الشخص والاكتفاء بذكرها وتعدادها بعد موته. نعم الإسلام دعانا لذكر محاسن موتانا ولكن لماذا لا نذكر محاسنهم في حياتهم أيضا فننشغل بها عن تصيد عيوبهم؟
الميزان ذو كفتين ككفتي أعمال الفرد.. بيد أننا ننتبه لكفة أعماله السيئة وتعمى عيوننا عن كفة أعماله الحسنة التي قد تكون أثقل بكثير من أعماله السيئة وما انتبهنا..!!
آخر المطاف:
إن شئت أن تحيا سليماً من الأذى
ودينك موفور وعرضك صين
لسانك لا تذكر به عورة امرئ
فكلك عورات وللناس ألسن
وعينك إن أبدت إليك معايباً
فدعها وقل: يا عين للناس أعين
وعاشر بمعروف وسامح من اعتدى
وفارق ولكن بالتي هي أحسن